نعود لبداية الحكاية، تحديدا لعام 2009. في هذا الوقت، كانت فيسبوك قد بدأت تشتهر على نطاق واسع كأحد الشبكات الاجتماعية الرائدة عالميًا. تقدم براين أكتون، الذي كان من مهندسي البرمجيات الأمريكيين، للانضمام إلى فريق عمل فيسبوك، لكنه قوبل بالرفض. رغم الإحباط الذي شعر به براين، إلا أن هذا الرفض كان بداية حافزه لإنشاء شيء جديد ومميز. وبمساعدة زميله جان كوم، قرروا بناء تطبيق يمكنهم من خلاله توفير تجربة تواصل مجانية ومبسطة.
في البداية، كان تطبيق واتساب مجرد منصة بسيطة لنشر الحالات والمشاركة بين الأصدقاء، لكن بمرور الوقت، اكتسب التطبيق شهرة في أمريكا، ما شجع مؤسسيه على إضافة خاصية إرسال الرسائل. ومع هذه الإضافة، ازدادت شعبية واتساب في جميع أنحاء العالم، حيث استطاع توفير وسيلة للتواصل مجانًا وبدون إعلانات.
كيف يربح واتساب؟
رغم أن واتساب بدأ كتطبيق مجاني بالكامل، إلا أنه قد تطور على مدى السنوات ليتحول إلى مشروع ضخم تملكه فيسبوك (الآن ميتا)، ويحقق إيرادات ضخمة، ولكن كيف يحدث ذلك؟
- بيع البيانات للمعلنين (عبر فيسبوك): عندما اشترت شركة فيسبوك واتساب في عام 2014 مقابل 19 مليار دولار، بدا للكثيرين أن هذا المبلغ ضخم للغاية لشراء تطبيق يتيح إرسال رسائل مجانية. ومع ذلك، كانت فيسبوك تعرف جيدًا ما تقوم به. فقد كان مارك زوكربيرغ يخطط لدمج واتساب وفيسبوك بحيث يستفيد من البيانات المتاحة على واتساب لتحسين فعالية الإعلانات على فيسبوك. من خلال فهم اهتمامات المستخدمين وأنماطهم السلوكية عبر واتساب، يمكن لفيسبوك استهداف المستخدمين بإعلانات تتوافق مع اهتماماتهم.
- التحليل العميق للبيانات الشخصية:تجمع شركة فيسبوك البيانات من واتساب باستخدام الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التحليل، مما يسمح لهم بإنشاء ملفات تعريف شاملة للمستخدمين. يشمل ذلك كل شيء عنك: موقعك، اهتماماتك، الأحاديث التي تدور بينك وبين أصدقائك أو عائلتك. بناءً على هذه المعلومات، يتم تخصيص الإعلانات التي تظهر لك على فيسبوك وإنستغرام ومنصات أخرى تابعة لشركة ميتا. قد لا يكون هذا الربح المباشر من واتساب، لكنه ربح ضخم لصالح الشركة الأم.
- استخدام بيانات الموقع والاهتمامات:قد يطلب واتساب إذن الوصول إلى موقعك الجغرافي وبياناتك الشخصية، وهو ما قد يسمح لهم بجمع معلومات دقيقة حول الأماكن التي تزورها والأنشطة التي تقوم بها. على سبيل المثال، إذا كنت تتحدث عن منتج معين أو تستفسر عن موقع مطعم في محادثاتك، فقد يتم استخدام هذه المعلومات لاستهدافك بإعلانات عن منتجات مشابهة على فيسبوك وإنستغرام.
تطور علاقة واتساب وفيسبوك ومشاكل الخصوصية:
في البداية، كانت سياسة الخصوصية في واتساب تحمي بيانات المستخدمين بشكل قوي، ولكن مع مرور الوقت ومع تزايد الضغط من قبل فيسبوك لتحقيق الأرباح، بدأت الأمور تتغير. أدى ذلك إلى بعض التغييرات المثيرة للجدل، وأبرزها ربط واتساب بفيسبوك لأغراض إعلانية وتجارية. وحتى الآن، تعرضت الشركة للعديد من الانتقادات والشكاوى القانونية نتيجة هذه التغيرات.
أحد أهم القضايا التي أُثيرت حول خصوصية واتساب هو تراجع التشفير القوي الذي كان يميز التطبيق. هذا الضعف جعل البيانات أكثر عرضة للوصول من قبل المعلنين والأطراف الأخرى، ما أثار مخاوف كبيرة بين المستخدمين.
فضيحة كامبريدج أناليتيكا:
في عام 2018، كشفت فضيحة ضخمة تتعلق بشركة كامبريدج أناليتيكا، حيث تم استخدام بيانات مئات الملايين من المستخدمين لأغراض سياسية عبر منصة فيسبوك، والتي كانت قد حصلت على هذه البيانات من واتساب. بعد هذه الفضيحة، تعرضت فيسبوك لموجة من الانتقادات والعقوبات الضخمة، ووصل الأمر إلى استجواب مارك زوكربيرغ أمام الكونغرس الأمريكي. وهذا يوضح كيف يمكن أن تؤدي سياسات الخصوصية الضعيفة إلى تداعيات خطيرة.
شروط الاستخدام ومخاطر الموافقة العمياء:
عند تنزيل أي تطبيق، تظهر شروط الاستخدام التي يوافق عليها معظم المستخدمين دون قراءتها. تشمل هذه الشروط إذن الوصول إلى الكاميرا والميكروفون وجهات الاتصال، وهو ما يُعتبر خطيرًا حيث يعطي واتساب أو فيسبوك الحق في مراقبة وتسجيل البيانات الشخصية. هذه الموافقة تمنع المستخدم من مقاضاة الشركة، حيث إنه وافق على الشروط مسبقا.
لماذا يعتبر واتساب "مجانيا" ولكنه ليس فعليا كذلك؟
واتساب مجاني، نعم، لكنه لا يطلب منك المال مباشرة، بل يدفع المستخدمون ببياناتهم الشخصية، التي تُعتبر أكثر قيمة من المال. بمجرد أن تُثبِّت التطبيق وتمنح الأذونات اللازمة، يصبح لواتساب وصول شامل إلى بياناتك، والتي يتم استخدامها لجمع معلومات حولك واستهدافك بالإعلانات.
بعض النصائح لحماية خصوصيتك:
- التحقق من الأذونات: لا توافق على الأذونات إلا إذا كنت تفهم بالضبط ما يعنيه كل إذن.
- التحقق من التشفير: تأكد من أنك تستخدم ميزة التشفير التام على واتساب.
- الحد من مشاركة المعلومات: تجنب إرسال بيانات حساسة أو خاصة عبر التطبيق.
- التحديثات الدورية: احرص على تحديث التطبيق باستمرار لضمان الحصول على آخر التحديثات الأمنية.
هل يمكنني استخدام واتساب دون القلق بشأن الخصوصية؟
من الصعب القول إن واتساب آمن تماما من ناحية الخصوصية، خاصة بعد ارتباطه بفيسبوك. لتقليل المخاطر، يجب عليك استخدام ميزات التشفير والتأكد من عدم مشاركة بيانات حساسة.
هل تبيع واتساب بياناتي؟
رغم أن واتساب لا يبيع البيانات بشكل مباشر، إلا أن الربط بفيسبوك يسمح باستخدام البيانات في استهداف الإعلانات.
هل هناك بدائل آمنة لواتساب؟
ما هي سياسة الخصوصية الحالية لواتساب؟
سياسة الخصوصية تتضمن شروطا مثيرة للجدل، حيث يسمح باستخدام البيانات في أغراض تجارية عبر فيسبوك، ويُفضل قراءتها بعناية قبل الموافقة عليها.
في النهاية:
نرجو ان نكون اجابنا علي اي سؤال يخطر ببالك متعلق بهذا الموضوع، ويعتبر واتساب تطبيقا مفيدا وفعالا للتواصل اليومي، لكنه ليس مجانيا تماما؛ حيث يدفع المستخدمون خصوصيتهم مقابل استخدامه.